This page is also available in English

Photo by Ahmed Mohammed Bafaqih

إصلاح قطاع الاتصالات في اليمن

Project report State and State Fragility initiative

خيارات السياسة لتحسين مشاركة القطاع الخاص وتعزيز تقديم الخدمات.

  1. يُعد قطاع الاتصالات أحد الركائز الأساسية للاقتصاد اليمني. شهدت مساهمة القطاع في الناتج الاقتصادي نمواً مطرداً بمتوسط بلغ 7٪ بين عامي 2015 و2018، إلى جانب ارتباط عدد كبير من الوظائف بشكل مباشر أو غير مباشر بالقطاع. كذلك، فإن أثره على المالية العامة كبيراً : تشكل الإيرادات المالية من الاتصالات (معظمها من الرسوم والضرائب المفروضة المحصلة من شركات الهاتف المحمول) الحصة الأكبر من الإيرادات العامة، في ظل غياب الإحصاءات الرسمية، تشير العديد من المصادر بان عائدات قطاع الاتصالات من المرجح ان تتجاوز 150 مليون دولار أمريكي سنوياً، معظمها تحت سيطرة الحوثيين او حكومة الامر الواقع. علاوة على ذلك، وفي سياق النزاع في اليمن، كانت السمة البارزة للقطاع هي مرونته. على غرار المناطق الهشة الأخرى، مثل أفغانستان والعراق والصومال، استمرت شركات الهاتف المحمول إلى حد كبير في تقديم مستوى أساسي من الخدمات للسكان طوال سنوات النزاع، على الرغم من مواجهتها تحديات هائلة. بشكل حاسم، ساعد قطاع الاتصالات الفعال على تمكين النشاط الاقتصادي واستدامته بمرور الوقت من خلال ربط الشركات بالأسواق والمستهلكين، وساعد أيضاً في دعم وتعزيز الروابط المجتمعية من خلال الربط بين المجتمعات داخل اليمن وربط الافراد داخل اليمن مع المغتربين في الخارج. بالإضافة إلى ذلك، فقد ساهم القطاع في تمكين العمليات الإنسانية الحيوية. هذه المساهمات تبرز القيمة المتعددة الأبعاد لتقنيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
  1. على الرغم من أهميته الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن أداء قطاع الاتصالات في اليمن يتخلف بشكل حاد مقارنة بالاتجاهات الإقليمية والعالمية من حيث النفاذ والجودة والتكاليف. النفاذ إلى خدمات الاتصال الهاتفي، ولا سيما خدمات الهاتف المحمول، تقلصت بشكل طفيف منذ بداية الحرب. حتى عام 2017، فإن 27٪ فقط من السكان كانت لديهم القدرة على النفاذ إلى شكل ما من أشكال الاتصال بالإنترنت، وهو معدل منخفض جداً مقارنة بمعدلات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (65٪) والعالم (49٪). لا يقتصر الأمر على محدودية النفاذ فحسب، بل إن الجودة أيضاً هي من بين الأسوأ في العالم، بالنظر إلى السرعة المنخفضة للغاية لخدمات الإنترنت وانخفاض سعة النطاق الترددي المتاحة للمستخدمين. بالإضافة إلى ذلك، فإن تكاليف خدمات الاتصالات، وخاصة الإنترنت، باهظة: تمثل تكلفة حزمة النطاق العريض لبيانات الهاتف المحمول 10٪ من نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي الشهري، أي أعلى بكثير من هدف الأمم المتحدة المحدد عند 2٪ للتكلفة الميسورة مقابل خدمات النطاق العريض الأساسية الذي ينبغي بلوغه بحلول عام 2025
  1. نقاط الضعف هذه لم تؤدي إلى الحيلولة دون أن يصبح القطاع وبشكل تدريجي ومتزايد مركزاً لديناميات النزاع، إذ أن السيطرة على موارده تُعد أحد الدوافع الرئيسية للحرب اليوم. أيضاً، تستفيد الأطراف على نحو فعال (بالتحديد  أو سلطة الأمر الواقع) من الاتصالات في العمليات العسكرية إما كهدف للهجمات العسكرية المتكررة، أو كمصدر رئيسي لتمويل المجهود الحربي، أو كأداة للانخراط في أنشطة التجسس والرقابة والمراقبة والدعاية. كان أثر الحرب على الاتصالات ملموساً بعمق على مستوى المؤسسات العامة والأصول والبنية التحتية والشركات العاملة في القطاع والقطاع الخاص الأوسع والمواطنين. على الصعيد المؤسسي، حدثت عملية انقسام بين عدن وصنعاء. الآن، أصبحت توجد نسختان من معظم مؤسسات الاتصالات والمؤسسات المملوكة للدولة وتسيطر عليها إما الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أو سلطة الأمر الواقع. أدى ذلك إلى تدفقات منفصلة للإيرادات (في ظل استحواذ سلطة الأمر الواقع على الحصة الأكبر)، ونشوء فجوات وأوجه تضارب تنظيمية، وإنشاء هيئات حكومية جديدة. الضرر الذي لحق بالبنية التحتية للاتصالات، التي كانت ضعيفة أصلاً قبل اندلاع النزاع، كان كبيراً إذ تعرض أكثر من 25٪ منها لأضرار بصورة لا يمكن ارجاعه؛ مما ترك الربط بشبكات الاتصالات الدولية يعتمد على عدد قليل فقط من بوابات الاتصال الغير الكافية. هذه العناصر، بالإضافة إلى التحديات التي يواجهها القطاع الخاص والتي ستتم مناقشتها لاحقاً، أدت إلى تدهور خطير في جودة الاتصالات وتكلفتها الميسورة للمواطنين اليمنيين وقطاع الأعمال في اليمن.
  1. ثمة مزيج يجمع بين المشاكل القائمة منذ زمن طويل والتحديات الجديدة المرتبطة بالنزاع يجعل سوق الاتصالات في اليمن أحد أصعب الأسواق وأكثرها خطورة في العالم بالنسبة للشركات الخاصة. العقبات متعددة الأوجه وتتعلق بأبعاد مؤسسية وتنظيمية واقتصادية وسياسية. من منظور تنظيمي، فإن الأطر غير مكتملة وقديمة، إذ أنها لم تكن مواكبة للتطورات التكنولوجية الحديثة. أيضاً، أدى الانقسام المؤسسي إلى ازدواجية مصادر السلطة وبروز حالات لوائح غير متسقة أو فجوات تنظيمية مما أدى إلى مخاطر قانونية عالية وحالة من عدم اليقين لدى الشركات. لا توجد ضمانات ضد الممارسات المانعة للمنافسة؛ وهذا يساهم في غياب تكافؤ الفرص للاعبين في السوق وضعف الشفافية في اتخاذ القرارات الحكومية. يتضح ذلك في الطريقة التي تقوم بها السلطات في تخصيص وتجديد وترقية الطيف الترددي وتراخيص التشغيل، غالباً ينتهي الأمر بمقدمي الخدمات بالعمل بموجب تراخيص منتهية الصلاحية أو عدم الحصول على الموافقة على طلباتهم لخدمات الجيل الرابع (4G). أدت البيروقراطية المعقدة والنظام المالي الاستغلالي للغاية والذي لا يمكن التنبؤ به إلى كبح تنمية القطاع الخاص، حيث تراجعت أرباح المشغلين بسبب هذه العوامل؛ بالإضافة إلى ارتفاع كلفة الطاقة وانخفاض قيمة الريال اليمني وارتفاع تكاليف الأمن والصيانة. علاوة على ذلك، فإن الشركات الخاصة، التي كان مقرها في الأصل في صنعاء، إما أنها خرجت من السوق أو تم تأميمها من قبل حكومة الأمر الواقع أو أجبرت على الانتقال إلى عدن بعد نهب أموالها ومصادرة أصولها. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يتعين على الشركات الخاصة أيضاً التنقل في واقع الاقتصاد السياسي المعقد الذي مثل تقليداً  يميز هذا القطاع. بالنظر إلى قيمتها المالية والاستراتيجية العالية، يتم تسييس الاتصالات واستغلالها من قبل النخب السياسية كمصدر للحصول على الريع. إن المصالح الخاصة لشبكات النخب المترسخة يميلون الى توجيه عملية صنع القرار من خلال تقويض وعرقلة وتشويه المنافسة والإصلاحات والسياسات القائمة على السوق والموجهة نحو المستقبل، وبالتالي إعاقة التنمية المستدامة للقطاع.
  1. دون إنكار للتحديات الهيكلية الهائلة والمتعلقة بالسياسات التي تعيق تنمية الاتصالات، فإنه توجد فرص لإطلاق إمكاناته.  يوجد في اليمن سوق كبير ومتنامي لخدمات الاتصالات، وخاصة الاتصال بالإنترنت عالي السرعة. هذا الطلب الكبير الذي لا يحظى بخدمات كافية ينطوي على إمكانات لجذب استثمارات كبيرة من جانب القطاع الخاص إذا ومتى تمت معالجة مخاطر وتحديات السوق الرئيسية. نطاق زيادة مشاركة القطاع الخاص يتجلى بشكل خاص في الربط بين انترنت الشبكات الساتلية والشبكات المجتمعية، والتقنيات المالية مثل تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، ومن خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص لإيصال البنية التحتية الى جميع أنحاء البلاد.
  1. لتحقيق هذه الفرص والفرص المستقبلية، فإنه سيتعين على الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً الالتزام بتطوير وتنفيذ برنامج إصلاح حقيقي وواقعي وطويل الأجل يمكن أن يدعم بشكل فعال مشاركة القطاع الخاص في قطاع الاتصالات وأن يعزز التطوير. من الأهمية بمكان أن ترتكز جهود الإصلاح المستقبلية والقرارات المتعلقة بالسياسات على بضعة مبادئ أساسية، والتي سيتطلب بعضها تغييراً كبيراً في الطريقة التي تتفاعل بها الحكومة تقليدياً مع القطاع. على سبيل المثال، ينبغي أن تستهدف الحكومة الحد من رقابتها ومشاركتها المباشرة في تقديم الخدمات والانتقال إلى دور التنظيم ورسم السياسات. هذا بدوره يتطلب ان ينظر صناعو السياسات الى الاتصالات، أولاً وقبل كل شيء، باعتبارها خدمة أساسية للسكان وعامل تمكين حاسم للنشاط الاقتصادي والتنمية المستدامة، وليس مجرد مصدر للإيرادات. سيأتي هذا التحول في المنظور من الاعتراف بأن المنافع الاقتصادية الغير مباشرة طويلة الأجل لقطاع اتصالات قوي تفوق بكثير أياً من مكاسب إيرادات أعلى قصيرة الأجل. علاوة على ذلك، فإن الجهود الرامية إلى تحسين ودعم قدر أكبر من الشفافية والمساءلة في اتخاذ القرارات الحكومية ستكون ضرورية للإبقاء على الاستثمارات القائمة ولجذب استثمارات جديدة. تعتمد قوة ومرونة أي شبكة اتصالات وطنية على تعزيز الربط البيني والنفاذ المفتوح عبر كل المناطق الجغرافية والتنظيمية؛ والتي تدهورت بشكل ملحوظ في ظل انقسام القطاع. تحقيقاً لهذه الغاية، فإنه ينبغي على الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً أن تعمل بالتعاون مع الشركاء الثنائيين والمتعددي الاطراف على وقف تسييس وخفض تصعيد قضايا القطاع الرئيسية وتحييدها عن طريق معالجتها باعتبارها – قدر الإمكان - قضايا تقنية . أخيراً، ينبغي تصميم وتنفيذ عملية إصلاح السياسات بطريقة شاملة وتدريجية، وينبغي أن تحظى بالدعم المتواصل والمتعدد الأطراف.
  1. سيكون تسلسل الإصلاحات عنصراً أساسياً في التنفيذ الناجح:
  • على المدى القصير (من 6 أشهر إلى سنة)، تشمل الأهداف الحكومية المحتملة التي سيتم النظر فيها استعادة القدرة على الربط بشبكات الاتصالات المحلية والدولية، على سبيل المثال عن طريق إعادة إصدار تراخيص مقدمي الخدمات العامة وترقيتها أو إطلاق سعة البوابات المنشأة حديثاً؛ ووقف تسييس القضايا الرئيسية من خلال إنشاء فريق عمل فني - وعبر تيسير الحوار بين الشركات الوطنية الخاصة؛ وحشد الدعم الخارجي للمساعدة الفنية والتدريب وتطوير البنية التحتية؛ وتعزيز القدرات الفنية  للمؤسسات العامة التي أعيد إنشاؤها مؤخراً في عدن.
  • على المدى المتوسط (من سنة إلى ثلاث سنوات)، ينبغي أن تستهدف الجهود تعزيز الرقابة التنظيمية على مؤسسات الاتصالات؛ على سبيل المثال عن طريق تمكين الهيئات الحكومية القائمة من الاضطلاع بمسؤوليات تنظيمية. بالإضافة إلى ذلك، فإنه ينبغي معالجة العقبات التشريعية والسياساتية عن طريق تنقيح وتحديث التشريعات والنظم المالية الحالية المتعلقة بالقطاع، ويمكن توسيع نطاق النفاذ على مستوى البلاد من خلال التفاوض بشأن اتفاقيات التجوال الوطنية مع الشركات وعن طريق تيسير اعتماد تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول، كما ينبغي الاستفادة أيضاً من الدبلوماسية الدولية لمعالجة المعوقات الرئيسية، مثل إلغاء تجميد أموال تيليمن واستعادة التحكم بالبوابات الدولية.
  • مع الأمل في أن تتحقق آفاق السلام ويستقر القطاع على المدى الطويل (أكثر من 3 سنوات)، فإنه ينبغي على الحكومة التركيز على تبني إطار تنظيمي حديث ومستقل يفضي إلى الاستثمار من جانب القطاع الخاص ويعزز المنافسة الصحية في السوق من خلال إنشاء هيئة تنظيمية مستقلة، وعلى تطوير وإطلاق استراتيجية شاملة للتنمية الرقمية.

ستتوقف نتائج الإصلاحات الطويلة الأجل في نهاية المطاف على التطورات المستقبلية للنزاع. تجدر الإشارة إلى أن فشل تجديد اتفاق لتمديد الهدنة على مستوى البلاد، كما أُعلن في 2 أكتوبر 2022، يهدد بجر البلاد إلى دائرة أخرى من الحرب، مع احتمال أن يصبح السلام أبعد بكثير. مع ذلك، فإن المفاوضات الجارية بقيادة الأمم المتحدة بشأن عملية السلام، بما في ذلك المسار الاقتصادي للمفاوضات الذي تم إنشاؤه مؤخراً، توفر مساحة لمعالجة القضايا العاجلة التي يواجهها قطاع الاتصالات في اليمن وتنفيذ بعض التغييرات الملموسة في السياسات والتي يمكن أن تحقق مكاسب سريعة وتفضي إلى البدء في عملية إصلاح مستدامة. تأثرت الاتصالات بشدة بسبب الحرب ولكنها أظهرت أيضاً مرونة فريدة. نتيجة لذلك، وفي حين أن تطوير القطاع، لا سيما من حيث جذب رأس المال الخاص، يطرح تحديات كبيرة، كما أنه توجد فرص واضحة يجب اغتنامها حيث يمكن – وينبغي– أن تضطلع الاتصالات بدور محوري في دعم جهود إعادة الإعمار في المستقبل وتعزيز التعافي والنمو الاقتصادي وإعادة بناء التماسك الوطني..